مقال خفايا تصميم علب الساعات

كان فوز "جان بيير هاجمان"، صانع علب الساعات، بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في حفل توزيع جوائز GPHG بمثابة تسليط الضوء على واحدة من أصعب المهن في مجال صناعة الساعات، وهي تصنيع علب الساعات، التي تمثل الحامي والحافظ لجميع مكونات الساعة، كما أنها واجهة التصميم لأي ساعة.

تصنيع علب الساعات يتطلب آلات خراطة دقيقة، وعمليات قولبة ومعالجة حرارية وكيميائية للحصول على علبة جاهزة للصقل والتشطيب. هذه العملية تحتاج إلى معدات ضخمة ومرتفعة التكلفة. ومع ذلك، يبرز العديد من صناع الساعات الذين يعتمدون الطرق التقليدية في صناعة العلب، وهو السبب الرئيسي وراء تكريم "جان بيير هاجمان"، صانع العلب الرئيسي في ورشة رجب رجبي لصناعة الساعات.

كعشاق لهذه الصناعة، نتفق جميعًا على أن حركة الساعة الميكانيكية هي العنصر الأكثر أهمية وتُعتبر قلب الساعة. ولضمان عملها بفعالية، يجب وضعها داخل علبة مصنوعة بدقة لحمايتها. وبالتالي، تلعب علبة الساعة دورًا محوريًا، ليس فقط في حماية الآليات الداخلية المعقدة ولكن أيضًا في تعزيز المظهر الجمالي للساعة. فأول ما قد يلفت نظر أي شخص هو تصميم وشكل الساعة، وهذا ما تتسابق عليه الشركات في تقديم تصميم خاص بها، مثل التصميمات الأيقونية التي قدمتها باتيك فيليب في ساعة نوتيلوس وأوديمار بيغيه في رويال أوك، أو شكل ساعات ديبيتون الأيقوني بعرواتهم المميزة. نجحت هذه الشركات في ترك بصمتها حيث يمكن لأي عاشق ساعات أن يتعرف على الساعة دون عناء، ويلعب شكل العلبة دورا أساسيا في هذا. 

في هذا المقال، سنتعمق في علب الساعات من الألف إلى الياء. حيث نستكشف الأساس العلمي وراء اختيار المواد، والأشكال والتصاميم التي تحدد النماذج المختلفة. والأهم هو كيفية صنعها، ولماذا هي باهظة الثمن.
  من الفولاذ المقاوم للصدأ المتين إلى الذهب الوردي الفاخر، ومن التيتانيوم الخفيف إلى النحاس الأصفر الأفضل من حيث التكلفة، توفر كل مادة خصائص فريدة سنتطرق لها معا. ونتعرف أيضًا على أشكال علبة الساعة بشكل عام، مثل المستديرة، وشكل الوسادة، والعلب المستطيلة، والمربعة، والبيضاوية، وغير المتناظرة، وكيف تلبي هذه الأشكال تصميمات معينة.

قبل أن نبدأ، فيما يلي المكونات الرئيسية لعلبة الساعة:

• الهيكل الرئيسي: الذي يضم الحركة والميناء
• الإطار: يُحيط بالزجاج ويمكن أن يكون دوارًا أو ثابتًا 
• ظهر العلبة: يغطي الجزء الخلفي من العلبة، وغالبًا ما يعرض تفاصيل الساعة. ويكون مثبث إما عن طريق براغي، أو ظهر العلبة بحد ذاته ملولب، أو يتم ضغطه في مكانه بشكل محكم. 
• الزجاج: يستعمل لحماية الميناء، قمنا بشرحه بشكل مفصل في هذا المقال.
• التاج: لضبط الوقت ولف الحركة.
• الأزرار الدافعة: تُستخدم لتفعيل وظائف إضافية، مثل الكرونوغراف.
• العروات: أين يتم تثبيت السوار أو الحزام، مرات يمكن أن ملحومة على جانب العلبة أو مثبتة ببراغي 
• المواد العازلة "الجوانات": الأختام لمقاومة الماء تكون من البلاستيك أو المطاط
• البراغي: والتي تثبث أجزاء مختلفة من العلبة.

تعمل هذه المكونات معًا لحماية الحركة وتعزيز مظهر الساعة ووظيفتها.

الحجم
يختلف الهواة فيما هو الحجم المثالي، فيما يعتبر البعض الحجم الكبير للساعات الرجالية،بينما تُعتبر الساعات الصغيرة عادةً خيارًا للسيدات، فإن معظم الشركات تعطي خيارات بأحجام مختلفة ولك أن تختار الأفضل لك، بالطبع ويعتمد ذلك على الذوق الشخصي وراحة الاستخدام، لكن حجم الساعات يتراوح من 26 ملم إلى 48 ملم. ويمكن أن يكون أقل أو أكثر.

يتم قياس حجم العلب بالملليمتر، من القطر (بدون احتساب التاج)، والطول الكلي من العروة إلى العروة (من نهاية العروات)، إلى السمك، وهو أمر مهم لارتداء مريح، وقد مثل تحديًا للشركات على مدى العقود القليلة الماضية لتقديم أنحف الساعات. يمكنك أن تقرأ عن أنحف ساعة في العالم هنا.

الوزن مهم أيضًا في جعل الساعة مريحة. في حين أن بعض الأشخاص يفضلون الشعور بالوزن على معصمهم، للعلم الوزن يعتمد على كثافة المادة المستعملة، وعلى سبيل الذكر البلاتين هو أثقل معدن يستخدم في صناعة الساعات، ويمكنك ملاحظة ذلك بسهولة إذا كنت ترتدي ساعة دايتونا من البلاتين (تكون بالميناء الأزرق) أو دايتونا مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ.

وبالحديث عن الوزن، فإن ساعة من إنتاج شركة مينغ، تعد الآن أخف ساعة في العالم. ولتحقيق هذا استخدم مينغ مركب من المغنيسيوم والألومنيوم والزنك والمنغنيز من شركة سميثز هاي بيرفورمانس، وهي شركة إنجليزية رائدة متخصصة في المواد عالية الأداء. هذه المعادن هي الأخف وزنا في الجدول أدناه. لتحقيق هذا الإنجاز، كان مينغ ذكيًا حقًا وتلقى المساعدة من شركة بارزة في علوم المواد للصناعات الفضائية. وهذا ما يفسر مدى تكلفة وصعوبة تطوير ساعة خفيفة ومتينة وعملية.

وبعيدًا عن مكونات العلبة، ولكن لا يزال مرتبطًا بالمواد المستعملة، لنطرح هذا السؤال، لماذا تستخدم الشركات البلاتين أو الذهب أو حتى التنغستن لإنتاج الدوار الصغير؟ الجواب يكمن في كثافتها العالية. في حين أن حجم الدوار الصغير أصغر من الدوار العادي، فإنه يحتاج إلى وزن من أجل الحصول على زخم يكفي لتحريك ولف النابض الرئيسي، مما يجعل هذه المعادن الثقيلة هي الخيار الأفضل.

فيما يلي قائمة سريعة بالمواد المستعملة في صناعة علب الساعات المتوفرة حاليًا في السوق، بالإضافة إلى خصائص كل مادة.

1- المعادن

الفولاذ المقاوم للصدأ  مادة عالية الجودة معروفة بقوتها ومقاومتها للتآكل. من السهل العمل عليه ومتوفر بسعر معقول. الجانب السلبي الأساسي هو وزنه مقارنة بالمعادن الأخرى. الغالبية العظمى من ساعات الغوص تستخدم الفولاذ المقاوم للصدأ 316.

التيتانيوم  يعد التيتانيوم خيارًا ممتازًا لعلب الساعات، خاصة بالنسبة للساعات العملية. خفيف الوزن وصلب ومقاومة للتآكل بشكل استثنائي، مما يجعله مثاليا لساعات الغوص. الجانب السلبي الوحيد المحتمل هو مظهره الرمادي الباهت، والذي قد يجده البعض أقل جاذبية.

التنتالوم هذا المعدن النادر، الخامل للغاية أي أنه لا يتفاعل مع العناصر الأخرى، والمقاوم للتآكل، له بريق أزرق رمادي ويستخدم أحيانًا كبديل للبلاتين. قليلة الساعات التي تستخدمه. كنا قد رأينا مؤخرا إصدارين مميزين من هذا المعدن النادر، من شركة فينتج هورولوجي ومن غروبل فورسي.

الألومنيوم  نادرًا ما يستخدم في علب الساعات بسبب افتقاره إلى القوة مقارنة بالفولاذ وقابليته للانبعاج. ومع ذلك، فهو خفيف الوزن ومقاوم للتآكل بدرجة عالية. ومن الساعات القليلة التي تستعمله بولغري بولغري.

النحاس الأصفر/البرونز  قامت العديد من الشركات بتصنيع علب الساعات من النحاس في السنوات الأخيرة. تأتي هذه في ثلاثة أنواع أساسية: النحاس (عادة 66% نحاس و34% زنك)، البرونز (مركب من النحاس تحتوي على 8-13% قصدير ومعادن أخرى، غالبًا ما يشار إليها باسم CuSn8)، تطور هذه العلب مظهرًا فريدًا بمرور الوقت. 

المعادن الثمينة  يمكن أيضًا تصنيع علب الساعات من الذهب الأصفر أو الأحمر أو الأبيض، أو حتى من البلاتين. الميزة الأساسية هي هيبة امتلاك ساعة باهظة الثمن. ومع ذلك، فإن الذهب الناعم قد يتآكل بشكل سيئ ويتقادم بسرعة.

العلب الغير معدنية

لا يجب أن تكون علب الساعات معدنية؛ هناك العديد من المواد الفريدة المستخدمة:

الخشب أصبحت علب الساعات الخشبية ذات شعبية متزايدة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الصناعة الصديقة للبيئة. إنها خفيفة ومريحة بشكل استثنائي، ولكن العديد منها لديها حركات كوارتز رخيصة نسبيًا، ويمكن أن تبدو العلب المصنوعة من الخشب بالكامل هشة. لذا تمزج الشركات بشكل فعال بين الخشب والمعدن.

السيراميك صلب بطبيعته ولكنه يمكن أن يكون هشًا، مما يجعل من الصعب التعامل معه. لذا يعد خيار غالي الثمن و غير عملي

السافاير على الرغم من أن علب السافاير مقاومة للخدش أكثر من أي مادة أخرى، إلا أنها قد تتشقق إذا تعرضت للصدمات

ألياف الكربون  تعتبر ألياف الكربون مادة مثيرة للاهتمام، بسبب خفتها وصعوبة التعامل معها، والجميل فيه أنه يكمن تصنيعه بعدة طرق، من القولبة أو استعمال عدة طبقات لضغطها، لكن النتيجة دائمة تكون نمط مبهر وفريد. يتميز بختفه وثمنه الغالي ويستعمل في الساعات الرياضية الفخمة.

البلاستيك  ينتشر البلاستيك في صناعة الساعات، خاصة في الساعات منخفضة التكلفة. ومع ذلك، ليست كل الساعات البلاستيكية رخيصة الثمن؛ تقوم بعض العلامات التجارية بتصنيع ساعات بلاستيكية شديدة التحمل مستوحاة من الطرازات العسكرية

طورت العديد من الشركات معادن مختلفة ومركبات جديدة، مثل فعلته هوبلو مع مركب الساكسم، لكن تبقى هذه المواد الأكثر شيوعا في الصناعة. 

أشكال العلب: 

هناك خمسة أشكال أساسية لعلب الساعات. الشكلان الأكثر انتشارًا هما الدائري والمربع، وإلى جانب الشكل البيضاوي والمستطيل، تغطي هذه الأشكال معظم تصاميم الساعات.

أحد الأشكال غير المشهورة كذلك هو شكل التونو"، والذي يعني "البرميل" بالفرنسية وغالبًا ما يشبه مستطيلًا مستديرًا، وللتوضيح تشتهر به ساعات ريتشارد ميل و فرانك مولر. الشكل الآخر الذي يظهر بشكل متكرر هو شكل "الوسادة"، والتي، كما يوحي الاسم، عبارة عن شكل مربع مستدير قليلاً أو منتفخ.

هناك أيضًا أشكال فريدة للعلبة، مثل تلك الموجودة في تصميم "مايسترو" لـ"جيرالد تشارلز" أو "كارتييه كراش" بشكلها المميز. فيما تذهب شركة غروبل فورسي إلى أبعد من ذلك من خلال تصميمها لعلبة منحنية بالكامل. إذًا، ما هي التحديات التي تمثلها هذه الأشكال الفريدة؟ 

مقاومة الماء، في الفيزياء، الشكل الدائري أفضل تصميم لتوزيع الضغط بالتساوي حول المحيط، مما يجعله الخيار الأفضل لمقاومة الماء. فيما تعمل الزوايا الحادة على تركيز الضغط في مكان الزاوية، لذا يجب على الشركات المصنعة إيجاد حلول للحفاظ على مقاومة الماء في هذه التصميمات باستخدام تصاميم جديدة أو إستعمال مواد عازلة إضافية.

كان لنا حوار مع السيد “فيديريكو زيفياني” المدير التنفيذي لشركة جيرالد تشارلز الذي حدثنا عن التحديات التي واجهتهم في تصنيع علبة ساعة مايسترو التي صممها المبدع جيرالد جينتا. 

ثانياً صعوبة تصنيع هذه العلب والذي سنشرحه خطوة بخطوة.

 عملية تصنيع علبة الساعة

بالطبع، يبدأ صانع الساعات بفكرة عن الساعة التي يريدها، وبالتالي فإن الخطوة الأولى هي اختيار المواد.

التصميم: بعد أن يقوم صانع الساعات برسم التصميم الأولي يدويًا، حان الوقت لاستخدام برنامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD). تم تصميم علب الساعات بدقة باستخدام برنامج لإنشاء نماذج دقيقة ثلاثية الأبعاد.

النماذج الأولية يمكن تصنيع النماذج الأولية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد أو التصنيع باستخدام آلية الخراطة الـ CNC، التي يزودها المصنع بالتصميم التي حصل عليها من برنامج التصميم، بعدها يقوم بإدخال تعليماته والتي تأخذ منه وقت، وغالبًا ما يتم استخدام مواد أقل تكلفة مثل الخشب أو البلاستيك. تسمح هذه المرحلة باختيار شكل تصميم العلبة وملاءمته.

إعداد المواد الخام الأدوات المستخدمة في صناعة الساعات عالية التخصص والدقة، ومصممة خصيصًا لهذه الصناعة. يتم اختيار المواد الخام بعناية وإعدادها في قطع صغيرة لتناسب هذه الآلات.

التصنيع هذه هي المرحلة الأكثر تكلفة والأكثر أهمية. عادةً ما يتم استخدام طريقتين، وغالبًا ما يتم استخدامهما معًا ليكملا بعضهما

التصنيع باستخدام آالات الخراطة الأوتوماتيكية الـ CNC تقوم الآلات التي يتم التحكم فيها بواسطة الكمبيوتر بقطع وتشكيل المواد الخام بدقة بناءً على مواصفات التصميم الـ CAD. في حين أن هذه الطريق لا مفر منها في عملية النمذجة الأولية، تتوفر حلول أقل تكلفة خلال عملية التصنيع النهائية. لكن ليس في جميع التصميم.

الخراطة التقليدية: تُستخدم الآلات التقليدية لإنشاء أشكال أقل تعقيدا من الـ CNC، وحفر ثقوب للتيجان والدافعات، والبراغي. تتطلب هذه الخطوة مهارة حرفية وتتم هذه العمليات يدويا بدون تخل أجهزة كمبيوتر.

قد يتم الاستعانة بمصادر خارجية لهذه المهام، كموردين لمثل هذه القطع بسبب تكلفة الآلات العالية، خاصة بالنسبة لصانعي الساعات المستقلين الذين يفتقرون إلى مثل هذه الموارد. عادة ما يتم الانتهاء من العمل المتبقي في ورش العمل الخاصة بهم.

التشطيبات 
في هذه المرحلة لا يمكن الإستغناء عن الأيدي الماهرة، للحصول على تشطيبات عالية الجودة لا بديل عن الأيدي البشرية التي تفحص بحذر وتشطب وتصقل كل العلبة بدقة متناهية. 

التجميع 
تركيب حوامل الحركة داخل العلبة والحشوات لمقاومة الماء وتجميع الأجزاء الداخلية باستخدام البراغي.

الفحص
التأكد من ملاءمة جميع الأجزاء بشكل مثالي للحفاظ على سلامة الساعة.

مراقبة الجودة

فحوصات الأبعاد، التحقق من تطابق العلبة مع مواصفات التصميم الدقيقة.

الاختبار الوظيفي، اختبار مقاومة الماء ومقاومة الصدمات ومقاومة الحقول المغناطيسية (ليست جميع الساعات تخضع لهذا). فحص الشكل والتشطيبات: التأكد من عدم وجود عيوب مثل الخدوش 

بعد التفتيش النهائي يتم تعبئة الساعات الفاخرة بشكل أنيق مع الوثائق المصاحبة ومعلومات الضمان.

تتطلب كل خطوة الدقة والخبرة، وتتضمن معدات متخصصة وحرفيين ماهرين لتحقيق الجودة والجماليات المطلوبة للمنتج النهائي.

Photo by user @Jocke from Rolexforums.

تلعب علبة الساعة العديد من الأدوار الحاسمة التي تعتبر ضرورية لوظائفها وجمالياتها وطول عمرها، وتتمثل الوظيفة الأساسية لعلبة الساعة في حماية المكونات الداخلية الدقيقة، مثل الحركة والمينا والعقارب، من العناصر الخارجية مثل الغبار والرطوبة والماء. حيث انها بمثابة درع يضمن تشغيل الساعة بشكل موثوق مع مرور الوقت. 

بالإضافة إلى الأداء الوظيفي، تؤثر العلبة بشكل كبير على مظهر الساعة. فهي تحدد التصميم العام والشكل وحجم الساعة. 

يؤثر تصميم العلبة أيضًا على مدى راحة الساعة على المعصم. يتم أخذ عوامل مثل الحجم والوزن وبيئة العمل في الاعتبار أثناء عملية التصميم لضمان أن الساعة مريحة عند ارتدائها لفترات طويلة. فيما تخدم بعض ميزات العلبة أغراضًا وظيفية، مثل الإطار الدوار لساعات الغوص أو دوافع الكرونوغراف، لتعزز سهولة استخدام الساعة وفائدتها.