مقال إرث فولكين، صانع ساعات الرؤساء

النهضة التي أعادت العلامة السويسرية إلى سابق مجدها

هناك العديد من العلامات التجارية التي كانت في يوم من الأيام بين الأفضل في صناعة الساعات، لكنها اختفت في الظلام منذ أزمة الكوارتز. بعضها تم الاستحواذ عليه من قبل مجموعات كبيرة، حيث عملت تحت أجنحة الشركة المالكة، بينما لم تتمكن بعض العلامات الأخرى من النهوض، فُتركت تاريخها وحرفتها في طي النسيان أو في ظل السعي نحو البدائل الأرخص التي تعمل بالبطاريات. ومع ذلك، لا تزال هناك قلة من هذه العلامات التي على الرغم من التحديات، تمكنت من العودة مجددًا، وإن كان ذلك في كثير من الأحيان دون أن تحظى بالتقدير الذي تستحقه. هذه العلامات التجارية، رغم قلة شهرتها، لا تزال تحظى بمعجبين أوفياء يقدرون إرثها الغني ومساهماتها المبتكرة في صناعة الساعات.

كما يتضح من العنوان، سنتحدث عن "فولكاين"، إحدى أقدم الأسماء السويسرية في عالم صناعة الساعات. مع تاريخ يمتد لأكثر من 160 عامًا، قامت رحلة "فولكاين" على الانتصارات والنكسات وإعادة إحياء الإصدارات. وبينما قد لا تكون على لسان كل محب للساعات، فإن إرث "فولكاين" هو إرث مليء بالابتكار، خاصة مع ساعات المنبه الميكانيكية الشهيرة التي منحتها لقب "صانع ساعات الرؤساء".

تعود جذور "فولكاين" إلى عام 1858 في مدينة لا شو دو فون السويسرية. تأسست على يد عائلة ديتيسهايم الشهيرة، وبدأت العلامة في كسب شعبيتها بفضل ساعات الجيب الرائعة التي كانت تصنعها. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت "فولكاين" قد رسخت اسمها باكتسابها العديد من الجوائز في المعارض العالمية، مثل معرض باريس لعام 1889 ومعرض شيكاغو العالمي لعام 1893، وذلك بفضل ساعاتها الميكانيكية المعقدة. في عام 1891، بعد وفاة موريس ديتيسهايم، تولى ابنه إرنست-ألبير ديتيسهايم قيادة الشركة، وأعاد تسميتها إلى "فولكاين". ومع ذلك، كان أكبر إنجاز في تاريخ العلامة قد تحقق بعد عقود، مع اختراعها الثوري لساعة المنبه الميكانيكية.

تصوّر روبرت ديتيسهايم، أحد أفراد العائلة، إنشاء ساعة منبه فعّالة، متغلبًا على القيود التي كانت تواجه المحاولات السابقة من بعض الشركات الأخرى. فقد فشلت التصاميم السابقة بسبب ضعف آلية المنبه والمشاكل المتعلقة بدقة الساعة. وبحلول عام 1942، كان روبرت قد طور نموذجًا أوليًا مزوّدًا بعيار 120، وهي حركة ميكانيكية ذات تعبئة يدوية، مزوّدة ببرميلين منفصلين؛ أحدهما للوقت والآخر مخصص لوظيفة المنبه. هذا الاختراع ضمن أن يعمل المنبه دون التأثير على دقة الساعة.

ظل التحدي يكمن في إنتاج منبه عالي الصوت بما فيه الكفاية، حتى اقترح الفيزيائي الفرنسي "بول لانجيفين" تقليد صوت الكريكيت (صرصور الليل). وبعد سنوات من التحسينات والتطورات، قدمت "فولكاين" تصميمًا جديدًا تم تسجيله ببراءة اختراع في عام 1947. كان الصوت الناتج عاليًا ومميزًا، يتم تعزيزه من خلال ظهر العلبة المثقب المزدوج، ليشبه تمامًا صوت صرصور الليل. ومن هنا ظهرت ساعة "كريكيت".

لقد لاقت ساعة "كريكيت" نجاحًا سريعًا، وازدادت شهرتها في عام 1953 عندما تلقى الرئيس الأمريكي هاري إس. ترومان ساعة "كريكيت" ذهبية عيار 14 قيراطًا كهدية. وأصبحت ساعات "فولكاين" ترتبط بالرؤساء الأمريكيين، مما منحها لقب "صانع ساعات الرؤساء"، حيث امتلك العديد منهم واحدة على الأقل.

وسّعت "فولكاين" إصداراتها بتقديمها لساعة "كريكيت نوتيكال" في عام 1961، وهي ساعة غوص أيقونية قادرة على تشغيل وظيفة المنبه تحت الماء. ومع ذلك، واجهت العلامة تحديات كبيرة خلال أزمة الكوارتز. فقد أدى تمسّك "فولكاين" بالحركات الميكانيكية، إلى جانب التعديلات التي أُجريت على عيار 120 الأصلي، مشاكل مالية وانخفاض بالمبيعات. وفي نهاية العقد، توقفت الشركة عن العمل.

تم إعادة إحياء العلامة في أوائل الألفينات، وأعادت إصدار العديد من الطرازات التاريخية التي كانت قد شكلت إرثها. واليوم، تواصل "فولكاين" الاحتفال بإرثها الغني مع مجموعات مثل "مونوبوشير هيريتيج" المستوحاة من الخمسينات، وساعة "كرونوغراف 1970s" الرياضية، وبالطبع ساعة "كريكيت نوتيكال" الأيقونية. تنتج العلامة بعضًا من أروع الساعات في مجالها، حيث تمزج بين التكنولوجيا الحديثة وتقنيات صناعة الساعات التقليدية لابتكار ساعات مميزة تذكّرنا بذروة صناعة الساعات.


0 تعليقات